باريس , 29 اغسطس 2025.
لم يعد الاستعداد مجرد تدريب روتيني. وثيقة داخلية سرية صادرة عن وزارة الصحة الفرنسية، مؤرخة في 18 يوليو 2025، تكشف النقاب عن خطة طارئة غير مسبوقة تهدف إلى تحضير المستشفيات الفرنسية لمواجهة تدفق ما يصل بين 10,000 إلى 50,000 جريح على مدى 10 إلى 180 يومًا من جنود فرنسيين وحلفاء، على خلفية ما تصفه الوثيقة بـ “انخراط عسكري كبير في أوروبا”،
التعليمات الموجهة إلى الوكالات الإقليمية للصحة (ARS) واضحة وصارمة: حان وقت التحول من نظام صحي مدني إلى آخر هجين، قادر على تحمل وطأة حرب شاملة.
تفاصيل الخطة المسربة: من النظرية إلى التطبيق الميداني
- جسور إنسانية على الأراضي الفرنسية: تفرض الخطة إنشاء مراكز طبية مؤقتة بالقرب من النقاط اللوجستية الحيوية: الموانئ والمطارات ومحطات القطار الكبرى. لن تكون هذه المراكز مجرد نقاط إسعاف، بل محطات لتثبيت حالة الجرحى القادمين من جبهات القتال مباشرة، لتسهيل عملية نقلهم إما إلى المستشفيات المركزية أو ترحيلهم إلى أوطانهم في حال كانوا من الجنود الحلفاء.
- أرقام مفزعة وقدرة استيعابية هائلة: تكشف الوثيقة عن سيناريوهات مرعبة تتوقع تعامل النظام الصحي مع:
- ما بين 10,000 إلى 50,000 جريح على مدى فترة تتراوح من 10 أيام إلى 6 أشهر.
- استقبال 100 مريض يوميًا لمدة 60 يومًا متتاليًا دون توقف.
- ذروة استثنائية تصل إلى 250 مريضًا خلال 72 ساعة فقط.
- إعادة تأهيل الكوادر الطبية للحرب: لم تعد مهارات الطب المدني كافية. توجّه الوثيقة بإعادة تدريب شاملة للعاملين في القطاع الصحي على تحديات زمن الحرب: العمل amid نقص حاد في الموارد، إدارة التدفق الجماعي للضحايا، علاج الإصابات المعقدة (انفجارية، حروق)، والدعم النفسي للجنود والمدنيين على حد سواء. كما تدعو الأطباء والممرضين للتطوع للالتحاق بـ الخدمة الصحية للقوات المسلحة عند الحاجة.
- التمازج المدني-العسكري: تؤكد الخطة أن هذا الاستعداد هو جزء من خطة “الاستعداد العام” (Vigipirate بمستواه القصوي و Plan Blanc الموسع) وليس إعلانًا للحرب. الهدف هو خلق تنسيق سلس وغير مسبوق بين المستشفيات المدنية والهيئات العسكرية لضمان مرونة مطلقة.
التعليق الرسمي والسياق: لماذا الآن؟
عند سؤالها، لم تنكر وزيرة الصحة، كاثرين فوترين، وجود خطط استعداد، قائلة: “مستشفياتنا تضع دائمًا استراتيجيات استباقية، سواء لمواجهة الأوبئة أو أي طوارئ كبرى. السؤال الجوهري اليوم ليس هل ستحدث أزمة، بل كيف نكون جاهزين لها عندما تحدث”.
هذه الطفرة في الاستعداد الفرنسي لا تأتي من فراغ. فهي تتماشى مع:
- السياق الأوروبي: حيث تعمل عدة دول أعضاء في الاتحاد على تعزيز خططها للطوارئ لمواجهة مخاطر الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية، وأزمة الطاقة، وتداعيات التغير المناخي.
- السياق الجيوسياسي: التصعيد المستمر في الحرب في أوكرانيا دفع الحكومات الغربية، وخاصة فرنسا، إلى إعادة تقييم جذرية لاستراتيجيات إدارة الأزمات والافتراض بأن “الحرب شي غير ممكن الحدوث على الأراضي الأوروبية” لم يعد صالحًا.
- توجيه المواطن: في إطار نفس الاستراتيجية، تحثّ الحكومة الفرنسية المواطنين على تحضير “عدة طوارئ منزلية” تكون جاهزة لأي أزمة كبرى.
اروبا تجري تدريبات سرية على قدم وساق لتجهيز نظامها الصحي لخدمة الجرحى العسكريين، من خلال تجهيز مستشفيات، مراكز مؤقتة، توفير تدريب خاص، وتنسيق مدني–عسكري. كل ذلك ضمن خطة تنموية تأخذ في الحسبان ما هو أبعد من الطوارئ الصحية الاعتيادية، تحسبًا لأي تطور محتمل، وتهدف إلى الانتهاء منه بحلول مارس 2026.

